كان الحل الوحيد في مثل هذه الحالة البغيضة، هو القفز من باب السيارة والسلام، وقد تذكرت الأن وانا أكتب هذه السطور أنني فكرت في هذا بالفعل، ولكن هناك عدة معايير منعتني، أولهما أنني أحترم نفسي أكثر من القفز من الميكروباص، ثانيهما السيدات اللاتي أخذن في اللطم والعويل، ثالثهما ( وبصراحة أكثر.. أهمهما ) هو أن أظهر بمظهر البطل الذي أنقذ كوكب الأرض .. عفوا الميكروباص !
وبدأ علي - المتبطل - يتصرف بهدوء، أولا أمسكت بالطارة وركزت على أن أظل في منتصف الطريق تماما، كي يصبح اختيار الانعطاف يمينا أو يسارا متاحا، طب والله يا اوساذ علي ده كلام سليم، ثانيا حاولت أن أبعد السائق عن طريقي كي أتمكن من القيادة ( بالمناسبة أنا ياما سوقت ميكروباصات) وأثناء محاولتي للتعامل مع السائق فوجئت به - رحمه الله - يفرز رغاوي بيضاء من فمه على بنطالي، عندها استوعبت أن الرجل قد مات وأننا فعلا في خطر.
لم تتوقف النسوة عن العويل والصراخ لحظة، وعندما شعر الرجال بأن عليهم دورا يجب أن يؤدوه في زيادة حالة التوتر، بدأوا جميعا في بناء دار الإفتاء المصرية بالخلف والتي اعتمدت على هتافات مثل:
أحدهم 1:بص بص بص بص بص .. عندك هاند تحت الدريكسيون .. شدها جامد
أحدهم 2: دوس فرامل دوس فرامل دوس فرامل دوس فرامل
إحداهن1: اعمل حاجة يا بني هنموت هنموت هنموت اعمل حاجة
أحداهن2: يا خرابي يا ختي الحقيني يا مرات عمــــــي
إحداهن3: هو السواق مات يا بني ؟
بالنسبة للراكب الفاضل الذي اقترح مرتعشا بشد الهاند هذا كفيل بأن يقلب السيارة بمنتهى البساطة لانها ميكروباص
أما بتاع الفرامل .. هناك ما يدعى بالدبرياش لازم ادوس عليه الاول عشان .. ملكش دعوة
اعمل حاجة .. كلنا هنموت يا حجة فموتي وانتي ساكتة
نفسي افهم بقى، اللي كانت بتنده على مرات عمها دي.. مش كانت قاعدة جنبها برضه ؟
أما السيدة الفاضلة التي تسائلت عن مدى طول عمر السواق، أحب أقول لها لأ بيستهبل يا حجة !
كانت هذه الموسيقى التصويرية التي كان يجب أن يعمل عقلي بكفاءة وهي تحاصره، فكان لابد من أن يخرس كل هؤلاء المجعجعين الصارخين كي أتمكن من إنقاذهم، وبناءا عليه تطاولت على الجميع بصوتي الجهوري الفظيع وصرخت فيهم كي يصمتوا بشكل مفزع، ويبدوا أنني كنت مقنعا حتى أنهم صمتوا لقرابة العشر ثوان،وكي لا يختلط عليك الأمر لابد أن تعلم جيدا أن كل ما فات هذا لم يتجاوز ال40 ثانية .. أه والله !
أطلقت العنان لمصابيح الانتظار التي أخذت ترتعش رعبا، والسيارة مازلت تركض على الطريق مثل الأبجر إذا تخدر، وكل ما كنت أحاول فعله (وهذا تصرف سائق محترف بالمناسبة) هو الوصول للدبرياش خاصة وانها قدم واحدة التي استطيع التعامل بها كي أغيّر غيارا عكسيا نظرا لازدحام الدواسة بقدميه الثقيلتين ( يعني لو هو على الخامس اخليه على الرابع وبعدين التالت وهكذا لغاية العربية م تقف لأنها بتبطأ بعد كل نقلة )
ما إن اقتربت كثيرا من الدبرياش، وها هو أمل الإنقاذ يقترب، ارتعشت قدمي بشدة من التوتر، رغم أن عقلي بدأ يتخيل الورود والاستقبال الحافل في المطار قصدي الموقف والفتيات الحسناوات التي سترتمي على صدري، والنساء الكبيرات سيدعون لي بطول العمر ودوام الصحة .. وجدت السائق يعتدل ضاحكا : إيه يا عم انت خفت ولا ايه ؟ تهئ هئ هئ
طلع بيستعبط يا حجة !!!!!!!!
رد فعلي .. ؟؟ رد فعلي أنا ؟ بعد ده كله ؟ البوست الجاي والأخير