Thursday, November 22, 2012

أظافر 3


-3-

"كان جدي أمهر صانعي العطور، وقد علمّني ما يكفي لأن أعلم أنك من الجنوب"، قالها بهدوء قبل يضع فستانها مفروداً على العشب بلطف ثم يبدأ في خلع حذاءه الجلدي الذي لا يبدو فاخراً بقدر ما هو جميل، نظرت إليه بهدوء وانخفضت أكثر في الماء
ابتسم وهو يفك أزرار قميصه ناصحاً إياها بألا تشغل بالاً بالانخفاض في الماء، فالنهر صافٍ تماماً هذا النهار حتى أنه يتمكن من رؤية تلك العلامة فاتحة اللون على فخذها الأيسر، مُراهناً إياها أنها أصيبت بها في تعلّم ركوب الخيل
الجميلة التي ضاجعها عشرات الرجال أو ربما هي من ضاجعتهم، إما على سرير أو وراء باب مخزن قشٍ أو حتى سُلم بيت للغانيات، والتي لم تكترث لصيتها الذي تخطي مقاطعتين .. الآن تذوب خجلاً في النهر أمام هذا الرجل الذي يتابع حديثه وهو يتجرّد من قميصه
يذهب إلى الشجرة ليُحضر من خلفها لوحة بيضاء وكثير من الألوان في حقيبة بيضاء تعاني من عدد مهول من البقع الملوّنة بعشوائية، مع مسند خشبي يضعه في ظل الشجرة
يرسم تحت هذه الشجرة منذ نعومة أظافره، هكذا اخبرها وهو يعطيها ظهره كمحاولة لطمأنتها لترتدي ملابسها دون خجل، ودخل في صمت طويل وهو يرسم ما يُشبه قطاراً بدائياً يتكدس العمال فوقه دون أن يلتفت إليها رغم طول بقاءها في الماء
"أيمكنك أن تدلني على الطريق لمقاطعة (كيونا)؟" قالتها بعد أن ارتدت ملابسها بسرعة البرق التي بدأت تتشرب البلل من جسدها ليطبع تفاصيله على الفستان، ممسكة بشعرها الطويل تحاول إفقاده الماء قدر الإمكان
"لابد وأنه شخص عجوز للغاية الذي أخبرك بوجود كيونا، هي الآن مساحة شاسعة من حقول العنب"، وهو يستدير ليواجهها لتشم عطراً آتياً من السماء، يبتسم .. ويخبرها أن فروع شجرة الكمثرى بقليل من الزيادات تصنع هذا العطر
يُشير ناحية الشَمَال دالاً إياها على وجهتها، إلا انه يطلب منها أن يرسمها قبل أن ترحل .. فتوافق دون تردد
تجلس ناظرة لعينيه البُنيّتان اللتان يخطفان النظرات لها ولجسدها بسرعة مثل آلة كاتبة، وظلت معه حتى أن الشمس طرقعت بأصابعها لتنبيهها أن النهار عادة ما يكون له نهاية ..
يعرض عليها المبيت عنده في بيت العائلة لتنطلق في الصباح، ترفض فيتحجج بأن اللوحة ينقصها نصف ساعة فقط من العمل، توافق ربما من جوعها
خطوات قليلة تجد نفسها امام منزل كبير مليء بالخدم، وأمامه ساحة بها معدات للشواء، يسارع ببدء العمل والطهي
تشعر بأنامله تتحسس شعرها لتوّقظها، لقد نامت على الطاولة الخشبية من فرط التعب، تأكل بشراهة محاولة إخفاء هذا الجوع قبل أن يصحبها لتنام في غرفة الضيوف ..
وفي الصباح .. تستيقظ لتجده في الغرفة يرسمها نائمة ..

Friday, November 16, 2012

أنا وأقرب أصحابي يا رب


يا ربّي ..

بكتب جُملة دلوقتي هيقراها مئات و ألوف.. 
ورغم إن شهادتك على كلامي
مفيش قصادها شهادة كون
إلا إني بقولها:
"
ما بين أعمق ذرة في روحي .. وبينك

مش هيلاقوا فيها وسيط ..
ولا يقدر عليها دخيل ..
ولا بيني وبينك ولا هيبقى ..
إلا الحتة البعيدة جداً جوايّا..

اللي عليها اسمك يا ربّي ..
وتحته بقلم رصاص إسمي

علي..

ماليش غيرك وبشكرك..
على نفسي
على أخويا ..
أبويا وأمي ..  
على الهواية والغواية

على جدتي أم أبويا ..
اللي مكانتش تتمنى
غير هي شجرة من الجنة
ولو كانت بلا أغصان
أو فاكهة!

هفضل أشكرك
على حمايتك لقلبي ..
اللي حّب أفضالك وأسماءك
بيحب كل أفعالك ..

عِشق رسايلك المتتالية 
وبيستنى بعد سخافتي .. علاماتك

مفيش بيني وبينك واحد معتوه
حاطط جنب رجولته اسم الدين
بيعشّمني بالجنة ..
ويخوفني من نارك ..

همَ لو مُناهم الجنة ..
أنا مُنايا أكون جارك ..

خـَلـَقـتـني
بَحبّك يا ربّي ..
منقوُشة البَصمة على قلبي  

ودي لوحدها ..
ولا أحلى ..
ولا أسمى ..

ولا توصلها أي دقون ..
أصل اللي فهمته
وآمنت بيه منك ..
إنها مش دقن !
آمنت
إنها إنسانية .. تآمن لك
بحمدك !

Thursday, November 15, 2012

Hi 5



مش هنسى ..
 
لمّا شوفت المَكَن الصيني بيطلع من محمد محمود غرقان دم وعليه مُصاب بين اتنين شباب (سوّاق ومُساعد) وشوشهم غرقانة دموع وبقايا لونها أبيض من رش المحلول ..
وسوّاق كُل موتوسيكل بيعافر عشان يحافظ على إتزانه عشان المُصاب مش  الموتوسيكل .. والناس واقفة في سكتّه عشان "تتفرج"
ووقفت 7 ساعات بحاول أفضّي الطريق وكل اللي بقوله:
"من فضلك ده ممر إسعاف .. أرجوك ده ممر إسعاف"

وفي عز تحكُمي في أعصابي من برودة الناس اللي كانت جايّة تتفرّج، لكني كنت على وشك الإنفجار فيهم، وأفكار كتير عنيفة أبسطها استسلامي لبركان الغضب المنقوش على كف إيدي المتوّسخة من التراب والغاز والكنس، وأنزل بيها على وشوش الساقعين اللي كانوا بيتمختروا وهم بيعدّوا الشارع الصغير اللي في وش شارع محمد محمود
شوفت لقطة ..
شاب اتعاطف معايا لما لقاني لوحدي، ماسك عصاية وبيهش الناس عشان ترجع لورا، جريت عليه، خطفت العصاية كسرتها، وقلت له بصوتي المبحوح ودموعي اللي تقريباً مكانتش بتنشف مع كل شاب بشوفه مُصاب : "لأ .. كل اللي احنا فيه ده.. والشباب اللي بيموتوا دول .. عشان نكسر العصاية دي"

تقريباً أربع شباب لابسين اللي ع الحبل صقفوا، شتمتهم بالأم وما تيسر من ألفاظ، وقلت لهم طب م تساعدونا نفضّي الطريق عشان المصابين بدل شغل المُعجبات بتاعكوا ده .. مشيوا

رِجعت وقفت مكاني، بحاول أفضّي السكّة والتقاطع اللي قدام هارديز، وبدأت أفقد أعصابي لغاية م بدأت أزعّق في الناس وأزقهم بصدري بطريقة عارف إنها سخيفة، لكنها أهون من العصاية

وكالعادة .. ظهر مخلوق غريب من الأجيال الغريبة اللي فاتت وقال لي:
"إيه يا عم هو انت مصري لوحدك؟ م دول ولادنا واخواتنا"
قلت له :
"لأ طبعاً في مصريين كتير، بس جوّه (مشيراً لمحمد محمود).. بيطلعوا مُصابين وممكن يموتوا في السكّة بسبب عدم إحساسكوا.. إرجع على الرصيف لو سمحت لو فعلا مصري انت كمان وخايف عليهم .. ولا هو كلام وخلاص؟"

سمعت أصوات عالية من بعيد .. وفرحة .. وتصقيف .. وناس بتصفـّر
عرفت إن الضرب وقف ..

وقفت مسهّم كدة بشوف قدامي كل اللقطات اللي كان فيها موتوسيكل عليه سوّاق ومُصاب ومُساعد
فضلت واقف كتير سرحان وعينيّ ناحية شارع محمد محمود
ولما انتبهت
لقيت كل المكن الصيني - اللي قبل الثورة كنت بتريّق عليه- خارجين ورا بعض في صف طويل حوالي 10 موتوسيكلات من غير مُصابين من فضل ربنا
وأول مكنة صيني عليها شاب مليان شوية رفع إيده في الهوا وهو بيبص لي في عينيّ جداً من بعيد .. شاور عليّ ورفع كف إيده وقرّب مني وهو ماشي

وعلى طريقة الهاي فايف Hi 5
كل اتنين راكبين على مكنة صيني سلّموا عليّ من غير وقوف ..
كل سلام وكل كف كان بيلمس كفي بسرعة جداً وحرفياً "على الطاير"

كان بالنسبة لي حضن طويل جداً كُلّه وّد

يمكن واحد منهم يقرا البوست ده ويعرف ..
إن الشاب اللي كان واقف برّة عشانهم .. لسّة جاهز والمرّة دي مش لوحده :) 

Monday, November 12, 2012

أظافر 2




"أظافر"
مشروع لا أعلم هوّيته الحقيقية ولكنه من حلقات 





-2-

كان كل هذا كفيل بأن يجعل الجميلة تجمع أغراضها لتنطلق إلى حيث هذا الرجل، ربما قابلت أحداً من نسله أو من صلبه .. فهي لن تنسَ كيف كانت العجوز تتحسس جسدها وهي تتذكر هذا الرجل قبل أن تخبرها أنه يوماً ستقابل رجلاً يُشعرها بأنها نهراً من التفاصيل !
خرجت الجميلة في اتجاه تلك المقاطعة، سلكت طريقاً طويلاً مُعبّداً بجوار النهر تنظر إليه في محاولة افتراضية لأن تعرف من هو ذلك الرجل الذي بين يديه ستشعر أنها نهراً؟
"لم أسمع بتلك المقاطعة من قبل"، سمعت ذلك الرد كثيراً عندما تمكنت عدّة مرات من إيقاف عربة تجرّها الخيول وعن طريقها تسأل، إلا أنها ظلّت كما أخبرتها العجوز على الطريق نحو الشـَمَال، حتى أن أحد الحطابين نَصحَها بالتخلّي عن تلك الفكرة لإنه يعلم القارة أكثر مما يعلم ملامحه ولا وجود لتلك المقاطعة ولكنها لم تكترث!
أوشكت التفاحات الثلاث الباقيات في حقيبتها الصفراء على أن يعطبن، لاحظت هذا مع قضمة جوع وهي جالسة على ضفة النهر ترتاح تحت ظل إحدى الشجيرات التي لم تعرف نوعها بعد طول نظر
رائحة النهر مثل يد تدعوها إلى الرقص، لم تقاوم، تجرّدت من ملابسها وألقت بنفسها تستحم في ذلك النهر البارد الذي انتشل عقلها لساعةٍ منها وجعله يرتاح في محاولة رسم ملامح هذا الرجل أو تخيّل ما هي المتعة التي تجعل العجوز تنبض حتى الآن بحُبه !
كانت تتمايل في الماء مثل فكرة عبقرية، تهدأ حيناً وتترك كتفيها المبللتين يلمعان تحت أشعة الشمس، لتعود تحت سطح الماء مرّة ثانية مستمتعة بترطيب النهر لجسدها .. حتى رأته يقف بجانب ملابسها ويميل ليُمسك فستانها ويضعه أمام أنفه ويَشُمُه ..
قميصه الأبيض وقبعته بنيّة اللون، وبنطاله الغريب في لونه إلا أن له انطباع هادئ وعضلات ساعده وهو يعبث بفستانها، كانت أسباب كافية تجعلها تسكن تحت سطح الماء ولا تظهر إلا رقبتها وهي تسأله بصوت يبدو عليه القلق عما يُريد ! 


أظافر3 http://aliquandil.blogspot.com/2012/11/3.html

أظافر 1


"أظافر"
مشروع لا أعلم هوّيته الحقيقية ولكنه من حلقات 

..


-1-
يُحكى أنه في مقاطعة ما بإحدى دول أمريكا اللاتينية، كانت هناك شابة استحوذ جمالها على طموح كل شباب البلدة، والتي كان زواجها على أحد أغنياء المقاطعة بفرضٍ حاسم من أبيها سبباً في ذبول كل تلك الطموحات
إلا أن النبض قد عاد لذلك الطموح سريعاً بعد أن مات زوجها في مشاجرة بإحدى الحانات عندما سَكِرَ وخَسِرَ مبلغاً لا بأس به، فأصبحت الجميلة أصغر أرملة في القارة وأجملهّن
يبدو أنها كانت تجهل مدى سحرها، فقد يعتاد المرء على وجود من هي مهوُسة بوجود رجل في فراشها كل يوم، لكن ما لم يعتده الرجال أن تكون تلك الجائزة هي التي من تسعى إليه دون أن يخط خطوة واحدة!
مرّت الجميلة على كل رجال القرية طلباً للمتعة، وكان لسانها مثل جلاد حبشي في عقابه لمن لا يقوى على إمتاعها، فقد كانت تقف كل ليلة أمام منزل أحدهم لتصرخ ناصحة إياه أن يكتفي بالنظر إلى الفراشات دون أن يجرؤ على التفكير في تقبيل إمرأة ..
لم تترك أملاً في رجلٍ إلا وكانت تلهث وراء هذا الأمل، أزرق العينين والكفيف، ذو الذقن المُدببة، النحيف والسمين، حتى عامل الاسطبل الأعرج ذو الأربعين عاماً
فقدت الأمل في أن تجد مُتعة بين أحضان رجلٍ .. فكلهم سواء، يتبارون في إلتهامها مثل قطعة من اللحم المُقدد، هناك شيء ينقص تلك اللحظة ..وذاك الرجل ..وينقصها!
هناك شيء بالفعل ينقص هذا الاحتكاك والارتطام والتفاعل، شيئاً جميلاً وربما هو أساس كل التفاصيل التي تبدو كما لو كـُتبت بقلم رصاص رخيص!
رحلت بعد أن أطلقت رُمحاً فولاذياً في كرامة وذاكرة كل رجل بالمقاطعة، رُمحاً يجري بسرعة الضوء ليخترق ما بين فخذي الرجل مروراً بالآخر !
..
كانت إمرأة عجوز لها عينتان شابتان، صديقة سحيقة لجدتها الراحلة، لم تكن لتهتم إلا بعّد بيض دواجنها، كانت تلك العجوز وكوخها هم الأمل الوحيد للجميلة أن تذهب إليه وتختفي عن أنظار كل الرجال..
بكوب من الشاي خفيف السُكّر وبعض المعجنات بما وُّجد من القشدة البيضاء، استمعت العجوز لقصة الجميلة، ولم تفارق تلك الامتعاضة شفتيها المتشققتين من ركض السنوات عليها ..
حتى انتهت الجميلة من كلماتها المُنهكة، لتجد العجوز تتنهد وتبتسم، تسند رأسها على كرسيها الهزاز وتقطف وردة من سور الشرفة المُطلّة على حديقتها البسيطة وتطلق آهة حنين عارمة بالأنوثة: آآه .. كان بالفعل رجلاً !
             
رغم إحساس الجميلة بالضيق أن ألمها لم يلفت انتباه العجوز إلا أن فضولها لتعرف من هو هذا الرجل كان قد جذبها من عنقها لتقترب منها وتسألها عنه، بدأت العجوز كلماتها وكانت ملامحها تزداد نضارة كأنها تعود شهراً من عُمرها للوراء مع كل حرف، حتى أن صوتها كان يتمايل مع الحروف مثل راقصة وحيدة على ضفة نهر تحت بدرٍ يشتهيها !