Saturday, February 4, 2012

جدي العزيز

جدي العزيز

سأدخل في الموضوع مباشرة، فاليوم أنا عاجز عن النوم بعد كارثة في نفس ذكرى موقعة الجمل!

نعم.. فالبارحة قام الخوّنة بتنظيم كمين لأصدقائنا الألتراس، وانت تعلم تماماً من هم الألتراس في الثورة المصريّة، كان أول رقم سمعته في الشهداء واخد وخمسين شهيد ولم يكن الحصر قد انتهى بعد!

حاولت أن أتناسى وربما نجحت في التشويش على مشاعري خاصة بعد أن انهرت لعدّة لحظات وهناك من رآني ابكي من غير اصدقائي وهذا يؤلم!

عدت إلى البيت لأجدني أمام نفسي فانهمرت

جدي، مشكلة الثوار في مصر -وبحق- أنهم يجيدون (وبحق) قراءة الكف .. والارتجال

لأننا جيل تعلّم بلُغة الأمر والنهي، ولم نتعلّم كيفية إيجاد الحلول، وإنما جيل تشرّب من أجيال سبقته .. أن يتحرك جنب الحائط فيما هو متاح .. وإن قصر !
أجيال تقتل الطموح في كل فرصة يتسنى له أن يُخلق!

ولهذا سئمنا قولهم : الجيش بيقولّك اتصرّف

في مصر،إذا حسبت عدد النسمات التي تكرر هذه العبارة البغيضة أو -على الأقل- يُفكرون بها، ستعلّم يا جدي أنهم كُثر .. كُثر، ولهذا أعلم جيداً أن الطريق طويل

لماذا؟ لإننا نصارع بأرواحنا وأجسادنا وعيوننا ودمائنا دون أي تفكير .. هرماً أكبر من أهراماتنا المعروفة، هرماً خفياً.. هائلاً .. قاتماً .. قميئاً .. بلا هيكل هندسي .. له نظرة اللا مبالاة .. تافه الابتسامة التي يشوبها الشر!
أتدري، أظن أن الفراعنة كانوا من العظمة حتى أنهم تركوا موّلدات لجيناتهم على أرضهم، وأخمن أنهم أضافوا إليها خاصية العمل بشكل تلقائي، وأظن أن هذه المولدات هي ما نسميه بالإهرامات، نعم .. فالمصريّة هرمون وليست جنسيّة تتقلدها من جنس حولك، أما هؤلاء البشر الموجودين الآن لا يفكر الواحد منهم إلا في نفسه فقط !

نعود لنقطة الإهرامات، سأثبت لك صحة كلامي، وسأعتمد على نفس البشر في إثباته، هل تعلم يا جدي أن معظم البشر هؤلاء، لا يجدون الإهرامات مُبهرة ؟!

المصريون فقط .. هم من يجدون إبهاراً عظيماً حتى عندما يتكلمون أو يفكرون في الإهرامات كما أجد الآن!

ولماذا الجدل؟ ألست أراسلك الآن بعد مرور سنوات طوال على وفاتك؟ ولماذا أفعل؟ لافتخاري بأني حفيدك .. أنني حفيد رجلٍ مصري لم يؤلمه شيء إلا اختفاء المصريين من حوله!

بالمناسبة أفتقدك، سأفعل شيء إن حدث لا قدر الله وتزوّجت (ولا تنظر تلك النظرة فأنا لن أتزوّج قريباً)، وعندما أرزق بفتيات، سأعلمهن النشاط، فقد سئمت الكسل، إنهم كسولين جداً بالخارج يا جدي!

أنا أدري كيف زوّجت بناتك، وكيف كنت أبّا لأزواجهن، أتتخيّل أن الأباء الآن قد أعطوا بناتهن فيروساً للكسل؟ ليس لديهن رغبة في تكوين عش، قشة قشة ويد بيد، بل يريدون عشاً جاهزاً بالكهرباء والتكنولوجياً، وربما تدعي الواحدة منهن أنها تريد أن تبني عشاً حقيقيا وخطوة خطوة، إلا أنها توافق على العش التكنولوجي فور اقتراحه! وغفلوا أنهم يحوّلون بناتهن إلى سلعة .. عبث!

نعود لملحوظتي التي أبعث بها الليلة إليك .. نحن نصارع بأرواحنا وأجسادنا وعيوننا ودمائنا دون أي تفكير .. هرماً أكبر من أهراماتنا المعروفة

المشكلة أننا نفعل ذلك فعلاً .. دون تفكير

لإننا لو كنا فكرنا للحظة في أن نفكر .. لكنا توصلنا إلى أن الثورة الحقيقية هي ثورة الناس، وأن الإعلام كان لابد وأن يكون أولى خطواتنا، وإلا ما كان ظهر لنا على أنوفنا وألسنتنا ما "تعّكّش" من الحشرات وما سبايدر !

بل كنا في أقل من دقيقة ونصف .. قادرين على قول ما قل ودل مثل لهجات الرؤساء، بلغة حقيقية ودارجة فعلاً وكلمات مازال بها رائحة الشارع، نقول كلاماً مصريّاً تماماً .. ينتشر مثل انتشار هرمونات الإهرامات ليوقظ أرواح كل المصريين!

يوماً ما سنتعلم، وسنجيدها أعدك بذلك، وأؤمن أن كل المصريين الحقيقيين سيشمّوا رائحة هذه الرسالة ويشاركوني الوعد، فهم شباب أقسموا لأنفسهم في أرق درجات الصدق على النصر، فلن يمانعوا أن يعدوا رجلاً مصريّا مثلك!

أتعلم .. هذا النظام اللعين .. حرمنا من التفكير طوال عقود، أو حتى التفكير في أن نفكر، إذن .. لابد وأن يتمكن الثوار من التعليم!
سأفكر أكثر، وأراسلك أكثر!
أعلم أنك في الجنة، لهذا ضع علامة على أول شجرة تفاح قضمت منها، لأنها أول ما سأفعله عندما أذهب إلى الجنة بعد أن أرى الله

آتاك اليوم شهداء استشهدوا في النور، سيطلبون رؤية من سبقوهم استشهدوا في الظلام .. أرسل لهم تحيّاتي
عندما أدخل الجنة، سأسأل الله أن أرفع علم مصر في الجنة

إن لم يكن علم بلادي يرفرف في الجنة

سنتقابل

حفيدك

علي

إلى جدي المناضل الكبير / محمد متولي عوض

أفتقدك فوق ما تستطيع كلماتي أن تتراص لترسم لك ذلك الحضن الذي أتمنى كل لحظة أن تعطيني إياه في ميدان التحرير

أفتقد حكمتك ورجولتك ورقتك، وأفتقد صمتك وبلاغة نظراتك، أفتقد صوتك الحنون الذي لطالما نشر الدف في أجواء بيت العائلة، أفتقد كل النتائج التي أثبت الزمن من خلالها أنك كنت دائماً على حق

أفتقد نظرتك السارحة عندما تجلس أمام اللوحة التي رسمها لك صديقك الرسام في ظلمات المعتقل القاسي، وأفتقد ابتسامتك عندما تراني صغيراً أجلس في ركن من المنزل اتابعك في خجل

أفتقد رباط حذائك عندما كنت أتربص بباب المنزل منتظر قدومك كي أفكه بأناملي الصغيرة، قبل أن أغسلها جيداً وأتجه مباشرة للمطبخ كي أعود بكوب من الماء البارد لأجدك تجلس على ذلك الكرسي الذي رغم تشابهه مع كرسياً آخر إلا أنه في نظر كل العائلة : عرش !
جدي، أحد الأعمدة الرخامية القوية التي كانت ستحمل على أكتافها كثير من تفاصيل الثورة بلا أي تعب

أعترف أنني لا أتمالك أعصابي حين أرى هؤلاء السلبيين الذين لا يجدون ألماً في تناول الآيس كريم ودخول السينما بعد مشاهدة الجيش يلقي بجثث أخواننا في مقالب القمامة، أعترف أنني أصبحت أحتقر الكثيرين، أعترف أنني أبذل مجهوداً خرافياً في منع كفي من صفع الملايين بلا رحمة .. ربما إن كنت موجوداً الآن يا جدي لكنت عالجت كل هذا بأقل من خمس كلمات

جدي .. لن أطيل عليك

ولكني أحببت أن ألقي عليك سلاماً ملفوفاً بعلم مصر، هذا الوطن الذي لم تبخل عليه

سلاماً بطعم الحرية المنتظرة، التي سبقتني إليها بعقود من الزمن

سلاماً نقياً مثل قلبك الذي اتسع لمئات البشر والأفكار

أدعو إليك يا جدي بما لا يدعو به البشر عادة .. أدعو إليك أن تظل معي في ميدان التحرير .. رغم مرور السنين على رحيلك

لقد علمتني الكثير .. ورغم أني لست بتلميذ نجيب .. إلا أنني على الأقل أحفظ كل التفاصيل وأتعلمها كلٌ على حدة

رحمك الله يا جدي

سلاماً خاصاً من بناتِك المقرّبات وعلى رأسهن .. أمي


حفيدك
علوة

نُشرت في مجلة احنا عدد نوفمبر