Sunday, April 10, 2011

لمدة ست دقائق

تخيلّتُ نفسي مُبارك

أستعد لتسجيل صوتي في رسالة سيسمعها العالم كله، وستظهر صورتي التي ملئت عدداً ضخماً من حوائط حكومتي وجهازي الإعلامي بل ويوجد منها نسخة هائلة المساحة في معسكر الجيش حتى الآن

لن أشغل بالي بذلك الرجل الفقير المُبتهج الذي يقف في ميدان التحرير بجوار عربته الخشبية المرُصعّة بأعضاء الجاموس والبقر من مخ وأمعاء وكبد، فهو يظن في نفسه الذكاء عندما يبيع تلك العجائن البروتينية لهؤلاء المخربين والمتسببين في وقف الحال .. لذلك فالأمر برّمته لا يعنيه

وبالطبع لن أفكر في ذلك الشاب ذو العشرين ربيعاً الطائر من الفرحة وهو يقود دراجته البخارية الصينية بسرعة جنونية بعد ابتلاع عدد من حبات دواء ما لمرضى الصرع، يطير منتشياً في ميدان التحرير وسط الأطفال والشباب والنساء وكأن الميدان قد أصبح كوكباً خاوياً إلا من الأسفلت .. وصوت قبيح يحلق خلفه من سماعات صينية تردد كلمات غريبة تدعو لفقدان الوعي

أما هذا الشاب الذي خسر عينه في موقعة أرسلت فيها عدداً من الدواب، لن أفكر فيه فهناك جدول زمني لمواعيد جراحات يشغل كيانه، وحاجة مُلحّة للمال من أجل إتمام هذا الشفاء تنهش كفيه

أما أمهات هؤلاء الشباب الذين سقطوا صرعى أمام نيران رجالي المخلصين، فتباً لهن ولأبنائهن، لقد تسببوا في خنق تحركاتي وهم في نظري لا يساوون حفنتين من التراب .. لهذا لم أقدم لهم عزاءاً .. إنهم أغبياء

تخيلت نفسي مُبارك.. أستعد لإلقاء حديث صوتي

أقف أمام المرآة، أتأكد من سلامة ذلك الطلاء الأسود الذي أخفي به شبحاً غطى رأسي

أتناول وجبة دسمة جاءتني من أوروبا ساخنة

الآن سأوّجه حديثي لهؤلاء اللصوص الذين واتتهم الفرصة كي يقفوا في طريقي، ولكن مهلاً .. من هم ؟

لابد أن أُحدد خطورتهم كي أعلم أين سأوّجه ضربتي

ما هي خطورتهم؟ .. لم تعد لديهم أي خطورة لذلك سأُظهر ورقة من أوراقي التي لم تنفد، لقد استطاع هؤلاء اللصوص أن يهزّوا العالم كله ولم يتمكنوا من إفاقة ذويهم، بعد كل ما حدث في الميدان والشوارع وغضب ورحيل وجمعة وجمل .. رضوا بأن نقيم لهم مسرحية تافهة اسمها الاستفتاء ..

تباً لهؤلاء .. كنت أتوقع أن يتحرك المثقفون في الشوارع بسرعة البرق، يعملون على توعية الناس أن الاستفتاء لا علاقة له بالاستقرار !! ولكنهم لم يبرحوا أماكنهم أمام شاشات النت

لكني كنت أعلم تماماً أن الدنيا التي سافرت بلادها الواسعة هي بالنسبة لنصف من يعيشون في مصر عبارة عن جدارين هائلين من القمح يسمونهما "لقمة العيش"، كنت أعلم أنني سأنجح في المناورة

يريدون إسقاطي .. فلنجعل الإسقاط رحلة قصيرة لشرم الشيخ، فلنجعل التنحي عشرون قصة، أن سليمان خانني، أن الجيش خانني، أنهم جميعاً كانوا يخدعونني وأنني لا أعلم شيئاً عن هذا الظلم، فلهذه القصص ثمار حين أتحدث عن شرفي

تخيلت نفسي مُبارك ..

أتحدث مع من قالوا نعم للاستقرار ولم يفكروا لحظة في احتلال جهاز الإعلام لينشروا للمصريين كلهم أن هناك حياة جديدة على الأبواب.. وأننا أقسمنا على البعث

أتحدث مع هؤلاء الذين لم يطالبوا بشيء في التعليم سوى إلغاءه الفترة القادمة !!!!

أتحدث مع هؤلاء الذين يثقون في جنودي ثقة عمياء خوفاً منهم أيضاً

تخيلت نفسي أضع سبابتي على زر التسجيل كي أبدأ خطابي الذي كتبه أحد رجالي المخلصين لي ولمصلحته

تخيلت نفسي مبارك .. أضغط زر التسجيل وأتبوّل!